الرسم القرآني وأسراره و عجائبه

الرسم القرآني وأسراره وعجائبه

 

المصحف الذي يقرأه المسلمون اليوم ،هو الذي اطمأن إليه عثمان وارتضاه لأن يكون مصحف هذه الأمة علما أن الأصل في المكتوب أن يكون موافقا تمام الموافقة للمنطوق من غير زيادة ولا نقص ولا تبديل ولا تغيير ،غير أن المصاحف العثمانية نجدها قد أهملت جانب هذا الأصل وخضعت لما نزل به القرآن الكريم ،وذلك لأغراض شتى لايعرفها إلا من هداه الله ووسع أفقه وفتح عقله للخوض في اكتشاف ما هو كامن في القرآن الكريم ،من أسرار وخفايا ومزايا ،وقد وضع العلماء قواعد خارجة عن الرسم القياسي وحصروها في ست قواعد وهي 1ـ الحذف مثل (العـــــــــاــــــلمين ) ـ (الرحمــــــاــــن )2ـ قاعدة الزيادة مثل (بأيــــيكم المفتون )3ـ قاعدة الهمز مثل (أيوب ) (لؤلؤ ) 4ـ قاعدة البدل مثل (الصلواة)ـ (الزكواة ) 5ـ قاعدة الوصل والفصل مثل (واعلموا أنما غنمتم ) ـ في ما اشتهت انفسهم ) 6ـ قاعدة ما فيه قراءتان فيرسم على إحداهما ـ أخي القارئ الكريم إنني قد اكتفيت ببسط هذه القواعد الموجزة جدا لإلقاء الضوء عليها فقط ،أما شرحها بالتفصيل فستعرفه لاحقا إن شاء الله سبحانه .

 

العلماء الذين ألفوا في علم الرسم القرآني

 

ومن العلماء الذين ألفوا في علم الرسم التوقيفي 1ـ الإمام أبو عمرو الداني الذي  أفاد الناس بمؤلفه ( كتاب المقنع )ـ2 أبو العباس المراكشي المغربي الذي فاجأأصحاب هذا الفن بكتاب (عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل ـ 3 ـ الإمام عبد الواحد بن عاشر الذي ظهر للقراء بكتاب ( فتح المنان شرح مورد الظمآن )ـ 4 الإمام العلامة المارغيني ألف كتابا أسماه مورد الظمآن ـ 5فتح المنان شرح مورد الظمآن قام بتحقيقه الدكتور عبد السلام الهبطي الإدريسي

  

ـ من أسرار الرسم القرآنـــــــــــــــــــــــــــــــي

 

لقد بذل علماء الرسم التوقيفي جهود ا مشكورة في هذا الشأن ،محاولين بذلك استخراج ما هو خفي في بطون أمهات الكتب ،بالإضافة إلى ما تنطوي عليه مواهبهم وأفكارهم ،ومن المعلوم أن الرسم القرآني توقيفي من الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كتب أمامه من طرف الصحابة وفي مقدمتهم زيد بن ثابت رضي الله عنه ،وما دام نظم هذا القرآن معجزا فلا بد أن يكون رسمه أيضا معجزا ،يتجلى لنا هذا القول في سر زيادة الياء في ( بأيــيكم ) وبزيادة الألف في لفظة (سعوا ) بعد الواو بسورة الحج ،وبدون زيادة هذه الألف في لفظة ( سعو) بسورة سبأ، وترسم كلمة ( عتوا ) بالألف حيث وردت ولا نجدها مرسومة في سورة الفرقان ،ونجد هذه الألف زيدت في لفظة ( ءامنوا ) وإسقاطها من ألفاظ ( باءو ) و( جاءو ) و ( فاءو ) ، وترسم كلمة ( سراجا ) بحذف الراء في سورة الفرقان ،وإثباتها في غير هذا الموضع مطلقا ونجد كلمة ( الميعــــــاـــد) بحذف الألف أيضا وإثباتها مطلقا في أماكن أخرى وترسم الألف بعد الواو في كلمة (يعفوا الذي ) ولا تكتب في كلمة ( يعفو عنهم ) في سورة النساء،ولماذا ترسم كلمة ( قرءانا ) بحذف الألف في سورتي يوسف والزخرف وترسم اللفظة نفسها بإثبات الألف حيث وردت ،كل هذا يشهد أن لهذا الرسم عجائب يستحيل على كل من يتعا طى هذا العلم العظيم الوصول إليه ،لأنه نور، ونور الله لا يدرك إلا بالفتح الرباني ،كما أنه لا يمس بسوء ،لأنه محروس بعناية الله ،بدليل أن ألمانيا قام وكتب القرآن كله برسمه وقواعده وقضاياه في صفحة واحدة تزينها ألوان مختلفة ،وأشكال هندسية رائعة.

 

الرسم القرآني محفوظ بعناية الله

 

والغريب في الأمر أنه لم يفعل هذا مع الإنجيل أو التوراة أو غيرهما ،وهذا ما يؤكد لنا أن ما قاله الخالق سبحانه هو محفوف بعنايته وحفظه ،ثم إذا كان حفظ كتاب الله يأتيه من غير المسلمين ،فما ذا يقول علماؤه ،وهم جنود الله لقرآنه ورسمه ،وقد جاء في الحديث أن الإمام أشهب قال سئل مالك هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس ،من الهجاء فقال ( لا، إلا على الكتبة الأولى ) رواه الداني في المقنع ودون شك أن رسم كتاب الله سيبقى محفوظا في أرجاء العالم برسمه وقرائه ،وصدق الله العظيم إذ يقول ( إنا نحن نزلنا الذكر ،وإنا له لحــــــــــفظون ) سورة الحجر الآية 9 .

 

رسم لفظة ( رحمت ) بتاء مبسوطة أو مفتوحة

تمهيـــــــــــــــــــد

    

حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها رحمة فأخلاقه رحمة ،وسلوكه رحمة وسنته رحمة ،والنظر إلى وجهه الكريم رحمة ،وصدق الله العظيم إذ يقول ( وما أرسلنـــــــــــك إلا رحمة للعـــــــــــــلمين ) سورة الأنبياء    107 ورحم الله الشاعر المدافع عن الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت إذ يقو ل :

 

وأجمل منك لم تر قط عيني     وأكـمل منك لم تلد النساء

خلقت مبرأ من كل عيـــــب      كأنك قد خـلقت كما تشاء

 

ونظرا لقيمة( رحمة ) الله الرفيعة في القرآن ،فقد ورد ذكرها ثلاثا وعشرين وثلاثمائة ورد من هذا العدد ثمان مرات بصيغة الماضي ( رحم )،وذكر منه بصيغة المضارع ( يرحم ) خمس عشرة مرة ،ومن هذا العدد أيضا جاء بصيغة الأمر ( ارحم ) خمس مرات ووجد من هذا العدد أيضا سبعا وخمسين مرة أما كلمة ( الرحيم ) فقد حصر عددها في مائة وخمس عشرة مرة وذكرت لفظة (أرحام ) اثني عشرة مرة في القرآن الكريم ووردت لفظة ( مرحمة ) مرة واحدة و( رحماء ) مرة، وكلمة ( رحما )مرة واحدة أيضا

بين تعليل الرسم التوقيفي ،وإعجاز فواتح السور

 

أكثر العلماء يتجاهلون علم الرسم القرآني كالباقلاني وابن خلدون مثلا ،يقول هؤلاء الناس ،إن الصحابة الذين كانوا يكتبون الوحي ،كانوا لا يتقنون الكتابة ،ولذلك جاءت كتابة القرآن بحروف مختلفة ،حيث نجد الكلمة تارة تكتب بإثبات الألف ،وتارة ترسم بحذفها ،ومرة تكتب اللفظة بزيادة الياء مثل ( بأييكم ) وتارة تنقل بحذفها ،فلو كانوا يعرفون الكتابة لما كتب القرآن بهذا الشكل ،وقد غاب عنهم قوله تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر ،وإنا له لحــــــــاــفظون ) الحجر الآية  9   والحفظ هنا يشمل النظم والرسم معا ،فكما أن تعليل فواتح السور لا طريق لفهمه عندهم ،باعتبار أنه سر من أسرار الله سبحانه ،فكذلك تعليل الرسم القرآني ،بمعنى أن حروف القرآن ظاهرة فيه ـولكن الوصول إلى أسرارها الله أعلم بمراد ذلك ،ومن هذا المنطلق جئت بتعليل فواتح السو ر لفهم رسم كتاب الله على ضوئها ،وبالتالي لفتح الطريق أمام الذين غابت عنهم هذه الأسرار ،ورغم تقديس هذه الحروف المقطعة ،فإن المجتهدين ، قالوا في تفسيرها أن ( ألم ) في أول سورة البقرة معناها ( أنا الله الملك ) وقالوا في ( ألم ) في سورة آل عمران معناها ( أنا الله المجيد ) ووصل اجتهادهم إلى ( المص ) فقالوا معناه ( أنا الله المقتدر الصادق ) وجاءوا بتفسيرهم لكلمة ( ألر ) فقالوا معناها ( أنا الله المحيي المميت الرازق ) وفسروا ( كهيعص بأن معناها ( أنا الله الكافي الهادي الولي العالم الصادق الوعد ) واجتهدوا في تفسير لفظة ( طه ) فقالوا معناه ( يا طالب الحق الهادي إليه ) وقالوا في تفسير كلمة ( يس ) معناه ( يا أيها السامع للوحي والقرآن الحكيم ) وقالوا مجتهدين في تفسير ( ص ) بأن معناها عين تنبع من تحت العرش وهي التي توضأ منها النبي صلى الله عليه وسلم ،ويعتبر تفسير فواتح السور نجاحا لتعليل رسم القرآن الذي وقف مدة في انتظار موافقة تعليل هذه الفواتح لهذا التعليل الخطي القرآني.

 

التاء المبسوطة رحمـــــــــــــــــــة وبشرى

 

بسطت التاء بعد أن طال عمرها وهي مقفلة ثم جاءت البشرى والأفراح لسيدنا إبراهيم عليه السلام وزوجه بقوله سبحانه ( قالوا أتعجبين من أمر الله ،( رحمت ) الله وبركــــــاـته عليكم أهل البيت ،إنه حميد مجيد ) سورة هود الآية 73 و تا تي الرحمة مفتوحة استجابة لدعاء زكرياء عليه السلام يقول الخالق جل وعلا ( ذكر ( رحمت ) ربك عبده زكرياء ) سورة مريم الآية ـ2 وتستمر الحياة بهذه الرحمة بتاء مبسوطة لتشير ألى خير الله العظيم والرحمة المبشرة لسقي الأرض بغيث ينفع الخلق والعباد فجاء قول الله بهذه الرحمة بقوله ( فانظر إلى أثر ( رحمت ) الله كيف يحيي الارض بعد موتها ،إن ذلك لمحيي الموتى ،وهو على كل شيء قدير ) سورة الروم الآية 49 وها هي رحمته تعالى قد بسطت في وجه عباده المحسنبن بقوله ( إن ( رحمت ) الله قريب من المحسنين ) سورة الأعراف الآية 56 بمعنى أن الله قريب من المحسنين ،وأن رحمته قريبة من المحسنين ،لأن الإحسان ، بالناس يقتضي قرب الرب من عبده ،فلو قال الرب ( إن رحمة الله قريبة من المحسنين ) لم يدل قربه تعالى منهم .

 

الرحمة المدخرة المقفلة

 

وردت ( رحمة ) مقفلة مدخرة لأنها ( رحمة ) واسعة مخزونة عند الله لأصحابها الذين كتب الله أن يكونوا من أهلها ،وفي هذا الشأن قال الخالق سبحانه ( قل لو انتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الانفاق ،وكان الانســـــــــــاــن قتورا ) سورة الإسراء الآية 10 ويفهم من هذا القول أن رحمة الله إذا كانت مخزونة مدخرة فترسم تاء مربوطة غير مفتوحة لأنها تنتظر أصحابها في الجنة وذكرت لفظة ( رحمة ) في قول الحق سبحانه ( خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب ) سورة ص الآية 9 رسمت بهذا الشكل للدلالة على أنها رحمة مدخرة عند الله بدليل ( خزائن رحمة ربك ) والشيء المخزون مدخر محفوظ كما تقدم ،وقبضت تاء ( الرحمة ) أيضا للإشارة إلى أنها رحمة مرجوة تفتح للسائل كما هي مرسومة في الآية الكريمة ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ،وهب لنا من لدنك (رحمةإنك أنت الوهاب ) سورة آل عمران الآية 8 ثم إن ( الرحمة ) إذا كانت موعودا بها ومنتظرة ،فإنها تكتب بتاء مربوطة كما نعلم ذلك في قوله تعالى ( فأما الذين ءامنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما ) النساء الآية 175   وتقبض تاء الرحمة أيضا إذا كانت خالدة في دار النعيم ومقر الخلود ،كما في قوله تعالى ( وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم خــــــــــــــلدون ) آل عمران الآية 107 .

 

 

المصادر والمراجــــــــــــــع

 

 

 

القرءات ـ أحكامها ومصدرها للدكتور شعبان محمد إسماعيل ص84

 

ـ محاضــــــــــــرات في علوم القرآن للدكتور غانم قدوري ص83

 

ـ  مجلة الفرقان ـ عدد ممتاز رمضــــــــــــــــان 1429هـ ص 38

 

ـ رسم المصــــــــــــــــــــــحف ونقطه للدكتور الفرماوي ص377

 

ـ دليل الحيران للشيخ المــــــــــــــــــــــــارغني التونسي ص 24 

 

 

بقلم الباحث الدكتور عبد السلام الهبطي الإدريسي