الرسم التوقيفي في خدمة القراءات و التفسير

الرسم التوقيفي في خدمة القراءات  و التفسير

 

الرسم في اللغة معناه الطريق،وفي الاصطلاح  هو تصوير اللفظ بحروف هجائية، وعرفه الشيخ الجرجاني بنفس التعبير السالف الذكر،وعرفه السيوطي ــرحمه الله ــ بأنه علم يبحث فيهعن كيفية كتابة الألفاظ ،وعرفه العلماء ( بأنه الرسم التوقيفي الذي يتعلق بعوارض المصحف القرءاني من حذف وإثبات ،وزيادة   وهمز وبدل ووصل وفصل ،وغير ذلك مما يدخل تحت القواعد المعينة في الرسم) ،علما أن الله تعالى شرف  الحروف التي رسم بها القرءان الكريم ،لدرجة أنهجل شأنه أقسم ببعضها في كتابه الكريم حيث قال( ن،والقلم وما  يسطرون ) حتى كأن الحرف بهذا التكريم،يقول لسان حاله للإنسان ،إنما أنا رسول الله إليك ،جئت لتفهمني وتعمل بي.ومن هنا  تسابقا لعلماء في البحث عن معاني وأسرار الرسم القرءاني غير أن ما قاموا به في هذا  الصدد،لم يتعد ما يتعلق بكيفية رسمه ،حيث لم ترقجهودهم إلى البحث عن معانيه وأحكامه ،كأبي العباس والزركشي والزرقاني وغيرهم،ــ رحمهم الله ــ فحذف الألف عند أبي عمرو  الداني مثلا من إسمــعيل وإسحـق ،وإبــــــــرهيم،جاء مبنيا على أنيكون الاسم علما ،وأن يكون مكررا في القرءان،و أن يكون  حذفالألف في وسط الكلمة ،وأن يزيد الاسم على أربعة أحرف.وعلى غراره ذهب الكرماني فيعجائبه ،حيث  قال: ( إن كثيرا من حروف الرسم القرءاني جاءت تنوب عن الحركات،كزيادة الياء  مثلا ،من لفظة ( وراءي) الواردة في قوله تعالى: (من وراءي  حجاب ) الشور ى      48  لكن أبا العباس،لم ينظر إلى كيفية كتابة القرآن،بل ركز على ما يؤديه هذا الرسم من معان وأسرار وأحكام،فقال في توجيه ما صرح به الإمامان المذكوران أن حذف ألف الكلمات السابقة ،يحمل معنى غير معروف لدىالعرب ،فهو بالنسبة إليهم باطن ،وما جهل معناه  حذف ألفه ، وزيد ت الياء  بعد الهمزة للإشارة إلى أنه وراء خاص بالخالق سبحانها لذي منه أسمع كلامه لنبيه موسى عليهالسلام ،ومن  خلال ما تقدم، يتضح لنا أن ابن البناء ــ رحمه الله ــ ظهر على مسرح الحياة العلمية وهو مزود بموهبة إلهية استطاع بفظلها ،مع زادها لعلمي الغزير ،أن يستنبط للناس والأجيال من رسم القرآن سيلا من المعانيوالأحكام والأسرار ،ساعدت في حل كثير مما وقففي  طريق علم التفسير،ورحم الله من قال: ( إن النفس إذا اعتادت على ترك الآثام  ،جالت في الملكوت ورجعت إلى صاحبها بطرائف الحكمة ) وفي هذا الصدد ،قال ابن البناء:( الرسم القرآني رمز لا يحل إلا  بإمتلاك مفاتحه ،وعندها    تبدد   الشكوك حوله،وتتلاشى كل التهم التي وجهت إليه ) وتتأكد حقيقة الرسم القرآني أنه جاء معينالتعددالقراءات ،كما في قوله تعالى : ( يـــــــــــأيها الذين ءامنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا) النساء 93  فلفظة ( فتبينوا ) رسمت في المصحف القرآني من  غير نقط ،وهذا بدون شك أنه معين على قراءة الآية بوجهين ،( فتبينوا) وكذلك   ( فتثبتوا ) وكلتاهما قراءة صحيحة ،ومروية عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم ،وكذلك الشأن في قوله تعالى:( إن هــ'ــــــــذ' ن لســـــــ'ــحر' ن ) سورة  طه  :الاية 62 فقد  رسم النص القرآني في المصحف الشريف كذلك من  غير نقط ولا شكل ولا تشديد ولا تخفيف ،في نوني  (إن) و (هــــ'ــــــــذ 'ن ) ومجيء الرسم هكذا بحروف عارية منا لنقط والحركات ،فتح الطريق لقراءة (إن ) و (هــ'ــــــــذ' ن)  بأربعة أوجه ،يتجلى الوجه الأول في قراءةحفص  بتخفيف اللفظين، ويتجلى الوجه الثاني في قراءة ابن كثير بتخفيف نون( إن ) مع التشديد في نون(هــ'ــــــــذ' ن)وذلك للتعويض عن ألف المفرد  أما الوجه الثالث، فيتجلى في قراءة أبي عمرو بتشديد نون (إن ) و(هــــ'ـــذين ) بسكون الياء ،ويتجلى الوجه الرابع في قراءة نافع ،وحمزة   و الكسائي  و ابن عامر و شعبة بتشديد  نون (إن) و ( هــ'ــــــــــذ 'ن)بألف بعد الهاء ،وألف بعد الذال و كل هــــــــــــذه القراءات وردت بأسانيد  صحيحة .ونظرا لارتباط الرسم القرآني بعلم التفسير،أرى أنه من المفيد إلقاءنظرة  موجزة عنه ، فأقول إن التفسيرفياللغة هوالإيضاح والتبيين ،قال الحق سبحانه :(ولا  ياتونك بمثلإلا جئناك با لحق وأحسن تفسيرا ) الفرقان  33أي بيانا وتفصيلا أما في الاصطلاح فهو علم يبحث فيه عن أحوال الكتاب الكريم  من حيث دلالته على مراد   الله بقدر الطاقة البشرية ( أو هو كما الزركشي رحمــــــه الله ــ( إنه علم يفهــم به كتابا لله وبيان معـــــــــــــانيه، واستخـــــــــــــراج أحكامـــــــــــــــــــــه وحكمـــه ومن خلال التعريفين ،يتضح أن القراءات تفتح الطريق للمفسر لأخذ المعاني على قدر قراءة الكلمة ،بوجهين أو ثلاثةأوجه ،فقراءة المجالس مثلا ،من قوله  تعـــــــــالى:( تفسحوا في المجلس) بالجمع  ،تفيد مجالس المسلمين ،وقراءة( المجلس ) بالتوحيد  تفيد مجلس الرسول صلى الله  عليه وسلم، و كذلك المعنى يختلف باختلاف الرسم التوقيفي ،فوصل (من) ب:( أم ) مثلا من قوله تعالى : ( أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ) الملك 22 يفيد أن من نوع واحد،من حيث مشي المومن على طريق الحق ،وفصلها عن (أم) من قول الحق سبحانه : (أم من يكون عليهم وكيلا ) النساء  158 يفيد أن ( من )  للإضراب،ونظرا لأهمية هذا الجاب من الموضوع ،فقد فضلت تفسير نص قرآني يجمع بين الاتجاهين،السلفي والحديث أو بين الأصالة والمعاصرة وذلك بإدخال بعض الأفكار العلمية على بعض النصوص القرآنية المفسرة ،حتى لا تبقى في عزلة عما كشف عنه العلمالحديث من قواعد   علمية  ثابتة تزيد في تدعيم وتنوير الاتجاهات التفسيرية  لهذه النصوص فمثلا قول الحق سبحانه:( وينزل لكم من السماء رزقا ) غافر 3  فإن المقطع القرآني يفيد أن الله يرحم عباده بالرزق النازل من السماء الذي هو المطر، والذي ينشأ عنه ما يغذي الإنسان ويساعده علىالبقاء، هذا ما جاء به التفسير الأصيل ،لكن التفسير العلمي يضيف أشياء جديدة لميعرفها التفسير السلفي وهي تتجلى  في نزول الملائكة والرحمة والأشعة الحرارية الصالحة لكافة  الأحياء ،والأشعة الضوئية الصالحة  للنباتات ،وغير ذلك مما هو في خدمة المخلوقات، و يضيف التفسير العلمي أيضا ،أن بعض الأجرام السماوية بمجر د ما تصـل إلـــى الغـــــلاف الجوي  تحترق وتقدم للأرض  كأسمدة لها .