الرسم القرآني وغياب مكتشفي أسراره
- التفاصيل
- المجموعة: تفاصيل
- نشر بتاريخ الجمعة, 06 حزيران/يونيو 2014 22:12
- كتب بواسطة: الشيخ الدكتور عبد السلام الهبطي الادريسي
- الزيارات: 2051
محاضرة تحت عنوان
الرسم القرآني وغياب مكتشفي أسراره
لا أجد ما أقدمه على درسي المتواضع هذا الإ التعبير التالي ،وهو مع الأسف أنني أرى جميع العلوم المسخرة للإنسان منذ ظهور الكتاب والقلم، والبحوث والاكتشافات تشق طريقها نحو التقدم والرقي ،إلا جانب الرسم القرآني فإن أصحابه ما زالوا يضعون له قيودا قائلين إن هذا الجانب ليس له دليل ، حتى يكون رسما معتبرا يعمل به في الساحة العلمية ، إني أقول لهم إن الرسم القرآني علم قد حفظه الله سبحانه في كتابه العظيم بقوله : )إنا حن نزلنا الذكر ،وإنا له لحافظون ) سورة الحجر الآية 9 ،فهو محفوظ بلفظه ومحفوظ بأسراره منذ نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم ،وأما ما قاله أصحاب الفتنة بأن الرسم القرآني الذي كتب به القرآن هو من الصحابة الذين كانوا لا يعرفون القراءة والكتابة ،فهو قول لا ينطق به إلا الجاهلون بهذا العلم ،لأن الرسم القرآني هو سر لهذا القرآن ،وسر الله لا يمكن أن يتغير مهما تقول عليه المتقولون ،فكتاب الوحي ومنهم زيد بن ثابت كان كاتبا للرسول صلى الله عليه وسلم فكان يملي عليه وهو يكتب فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم له اقرأ، فيقرأ فإذا رأى فيه ما يحتاج إلى إصلاح أصلحه زيد ،فيخرج به الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الناس ،فلو كان كتاب الوحي يخطئون ،لأمر الله بإصلاح ما يقع فيه من أخطاء ،إذ لا يعقل أن يقع الخطأ في قوله سبحانه ولم يأمر بإصلاحه ،وهذا ما يدل على أن الرسم القرآني توقيفي مثال ذلك أننا نجد كلمة الصلاة رسمت بالواو لتوحي إلينا أنها تنطوي على أسرار ،وما كان لها تكتب بهذا الشكل لولا هذه المضامين الخفية ، التي منها أن لفظة الصلاة تحتضن أركان الإسلام الخمسة مثل تكبيرة الإحرام التي تدل على الصيام كما قال الحق سبحانه على لسان مريم ( إني نذرت للرحمن صوما ) سورة مريم 26 ومعنى ذلك أنها تفيد الانقطاع عن الكلام ومنها أن التوجه إلى القبلة الذي يشير إلى الحج ،ومنها الزكاة التي تشير إلى النوافل بعد الصلاة ، فالله سبحانه رفع قيمة الصلاة برسم هذه الواو في اللفظة التي توحي إلينا برفع درجاتها وعلو مكانتها ،إذ هي أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة ،فإذا قبلت قبلت سائر أعماله ،وإذا رفضت رفضت سائر أعماله ، ومصير هذا الرفض جهنم (ما سلككم في سقر ،قالوا لم نك من المصلين ) سورة المدثر الآية 42 ومن جانب آخر ،أن رسم الصلواة بالواو فوقها ألف هي من علم الضبط ،وليس من علم الرسم القرآني ، ورسم ا لألف فوق الواو يشير إلى هذه اللفظة أنها لا تقرأ واوا ،وإنما تقرأ ألفا ،تأمل أيها القارئ الكريم كيف خدم أهل القرآن وأنصار هذه الأسرار بمواهب تدهش الألباب وتحير العقول ، ،ورغم هذه الجهود فإنه ما زال في بداية الطريق و مع الأسف نجد أغلب العلماء يرفضون تعليل هذا الرسم ، و يشبهونه بفواتح السور التي لم يفتحوا طريق البحث عن أسرارها مثل ( ألم ،ألر ،ألمر ) و غيرها من أشكال هذه الفواتح ، وقد غاب عنهم أن العلماء المعاصرين فسروا الألف بمعنى أنا، و اللام بمعنى الله ،وفسروا الميم بمعنى عليم ،وكذلك فسروا الألف من كلمة ( الر ) بمعنى ( أنا ،واللام بمعنى الله وفسروا الراء بمعنى أرى ) وبكل شجاعة يمكن أن نرجح جهود المحدثين على علماء السلف ،لأن الخالق سبحانه منحنا العقول لمعالجة كل علم يحتاج إلى بحث وكشف لإظهار مراد الله إلى الوجود ،وهذا بدليل قوله تعالى ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) سورة محمد الآية 24 وعلى سبيل المثال نجد لفظة ( سعو ) من قوله سبحانه ( والذين سعو في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز اليم ) سورة سبأ الآية 5 يلاحظ في لفظة ( سعو ) أنها رسمت بغير ألف ،وذلك تنبيها إلى تقديس رسالة الإسلام وإشارة إلى قضاء الرسول صلى الله عليه وسلم على جهود الكفار التي باءت بالفشل وقضت راية التوحيد على أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ،فسقطت الألف من الكلمة إشارة إلى انهزامهم الذى خلده القرآن والتاريخ وقد غاب عن العلماء كذلك أن هذه الأشكال الرسمية لم ترسم في القرآن إلا ولها أسرار لو بحثوا عنها لساعدتهم في حل كثير مما يقف لهم في طريق التفسير والقراءات فمثلا زيادة الياء في كلمة ( بأييد ) ،الواردة في قول الحق سبحانه ( والسماء بنيناها بأييد ،وإنا لموسعون ) سورة الذاريات الآية 47 رسمت هذه اللفظة بزيادة الياء للإشارة إلى قوة الخالق العظيم التي بنى بها هذا الكون ،ومعنى ( لموسعون ) أن الكون في اتساع مستمر إلى قيام الساعة كما يقول العلماء ، وبفهمك أيها القارئ الكريم محتوى ( لموسعون ) فإنك حينئذ تسبح لخالقك عند ما تقرأ أن في هذ ا الكون العظيم أربعمائة بليون مجرة ، وكل مجرة تحتوي على مائتي مليار نجم ومن هذا المنطلق نعلم أن أسرارا عظيمة ينطوي عليها هذا الرسم ،ولكن العلماء يمرون عليها وكأنه ليس من القرآن بالمرة ،مع أنه ثابت في كلامه العظيم ،فإذا كان الله قد حفظه في كتابه ،فلا بد أن يشير إلى حفظه برسمه ،علما أنه توقيفي نزل من الله على النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام، وما دام هذا الرسم محفوظا من الله بأسراره وعجائبه ودعانا إلى اكتشاف ما تتضمنه هذه الأسرار من غرائب ومفاجآت علمية قلما نجد لها نظيرا في غيرها من علوم أخرى ، فلماذا يتأخر العلماء عن اكتشاف هذه الأسرار ، ويا ليتهم لو سكتوا عن الطعن فيه ،وتركوا الأمر للباحثين أرباب المواهب الذين في استطاعتهم أن يستخرجوا منه أحكام هذا الدين وقوانينه ، وقواعد تفسيره وقراءاته ،ورحم الإمام الكسائي حيث قال ( في رسم المصحف عجائب وغرائب تحيرت فيها عقول العلماء وعجزت عنها آراء الرجال البلغاء ) ورحم الله أبا العباس المراكشي المشهور بابن البناء الذي أفادنا:( الرسم القرآني رمز لا يحل إلا بامتلاك مفاتحه،وعندها تتبدد الشكوك حوله وتتلاشى كل التهم التي وجهت إليه) ،فاتجاه هذا العالم الجليل نحو هذا العلم هو في الواقع اتجاه صادق نا بع من عالم موهوب أفاض الله عليه أفكارا لم تعرف في أي فكر يتعلق بهذا العلم الرفيع الذي نسيه الكثير،ولكن الخالق العظيم صاحب هذا العلم لن ينساه أبدا.
المصـــــــــــــــــــادر
- عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيللأبي العباس ا لمراكشي
- الترجيح والتعليل لرسم وضبط بعض كلمات التنزيل للدكتور خالد شكري
- مزايا الرسم العثماني وفوائده للدكتور طه عابدين
- مقالات لعبد المجيد العرابلي في الرسم القرآني

