الصلاة ودورها الروحي والعلمي في بناء صحة المؤمن

 

الصلاة ودورها الروحي والعلمي في بناء صحة المؤمن

 

لقد فرض الله سبحانه على كل إنسان  مِؤمن باعتبار أنها مفتاح سعادة المرء في الدارين ,فإذا قبلت صلاته قبلت  أعماله ,وإذا رفضت خسر الدنيا والآخرة ,وذلك بسبب عدم نيته وإخلاصه في أعماله .فلو أنه أخلص فيها لكتب له الفلاح في جهوده ,وبما أنه جردها عن هذا المسار الصالح فإنها لمتلق قبولا من الله ,لأن الإخلاص دليل قبول الله لعبده .وبقبوله له يقبل عمله ,وبالتالي فتقبل صلاته ,وفي صحيح البخاري نجد  النبي صلى الله عليه وسلم ,يقول فيما يرويه عن ربه عز وجل ,(  الإخلاص سر من أسراري استودعته من أحببت من عبادي)   لأن المخلص يعتبر الحياة كابن سبيل .استظل تحت  شجرة ثم راح عنها ,أوكما  قال النبي نوح    عليه السلام للذي قال له كيف  وجدت الدنيا ,فقال وجدتها كمنزل له بابان ,دخلت من أحدهما وخرجت من  الآخر ,لأن المخلص يخاف من الله ,وهو من أهل الصدق الذي هو استعداد ليوم الرحيل ,والمخلص من أصحاب النفوس  المطمئنة التي ترضى بما قدرالله  عليها والمخلص من أصحاب  الذين  تقرأالملائكة على أرواحهم ,كما وقع للمومن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه ,الذي  بمجرد ما دفن شاهد الناس أن طائرا نزل عليهم من السماء واختفى بقبره ,فإذابهم يسمعون تلاوة القرآن الكريـم تنطلق منه ,فعلمـوا .أن الملك كان  يقرأ القرآن على روحه المطمئنة.

 

 

 

أهميـة الصــــلاة

 

ونظرا لأهمية الصلاة ,فقد ذكرها الخالق سبحانه ,في كثير من آيات قرآنه  بقوله :(حافظوا على الصلوات والصلواةالوسطى وقوموا لله قانتين ) البقرة 236 وقال الحق سبحانه (  فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلوة ,إن الصلواة  كانت على المومنين  كتابا موقوتا ) النساء 102 كما أن أهميتها تتجلى في كونها فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم ,في السماء مباشرة .باعتبار أنها تتضمن أسس الإسلام ,فاذا كبر المصلي وانقطع عن الكلام ,يكون قد مثل الصوم ,كماقال  الحق سبحانه على لسان السيدة مريم ( فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمان صوما فلن أكلم اليوم انسيا ) مريم   25   وحينما يتوجه إلى القبلة ,يكون قد أشار الى ركن الحج ,وبعد الانتهاء من صلاته ,ويدخل في مرحلة التطوع ,يكون المصلي قد مثل ر كن الزكاة .وهاهم السعداء يتنعمون في الجنان بسبب أعمالهم الصالحة التي كانت تنطلق من إرشادات الصلواة ,يتساءلون عن المجرمين الضالين ,ما   الذ ي أدخلكم إلى جهنم مقر السفهاء ,والطغاة ,فأجابوا بأنهم كانوا لم يصلوا في الدنيا ,ولم  يتصدقوا على الفقراء و المساكين ,كما كانوا يتحدثون بالباطل في حياتهم ,وكانوا أيضا يكذبون بيوم الجزاء والحساب .وهذا ما أشار إليه قول الله سبحانه:( إلا أصحاب اليمين ,في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلكــــــــــــكم في  سقر ,قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين ,وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين ) .

 

قيمة الخشوع  في إتقان الصلاة

 

 إن الخشوع هو السكون والاستقرار النفسي , يقال خشع الصوت إذا سكن ,وتخشع الإنسان إلى ربه تضرع إليه .قال الحق سبحانه (  وخشعت الأصوات للرحمان فلا تسمع إلا همسا )  سورة طه أي سكنت هذه الألف ان الضمير النابع صوات لربها يوم القيامة .بسبب الخوف والفزع ,وخشع الإنسان سكن وتفرغت نفسه من شواغل الدنيا ,وتعلقت بخالقها, و في هذا الصدد قال الحق جل شأنه (واستعينوا بالصبر و الصلواة , وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون   أنهم ملاقو ربهم وأنههم اليه راجعون )  البقرة 44  بمعنى أن الصلاة لا يؤديها على الوجه المطلوب إلا الخاشعون باعتبار أنها خفيفة عليهم ,حيث لا يجدون في أدائها أية صعوبة .وفي هذا الشأن قال العلماء (الخاشع في الصلاة كل من جرى عليه حكم بالتأييد في الأزل ,بخصائص الاصطفاء ,وهؤلاء المشار اليهم هم من الفئة  القليلة ,وفيهم قال الحق سبحانه (  وقليل من عبادي الشكور)  , سبأ13   فقد جاء الشاكرون بهذا العدد القليل ,لأن أكثر الناس غير قادرين على استحضار النعمة بالقلب ,والثناء باللسان ,والشكر بالجوارح مرة واحدة إلا من أحبه الله ومن هذا المنطلق يظهر أن مصادر الشكر ثلاثة 1استحظار نعم الخالق على العباد بالقلب والتأمل الباطني 2 الشكر باللسان على نعم الله الظاهرة  والباطنة 3 الشكر بالجوارح ,فمثلا الأذن الصاغية لتلاوة القرآن الكريم ,تكون    شاكرة لربها ,والعين التي تتمتع بالنظر إلى المصحف الكريم تكون  أيضا غارقة في شكر الله جل جلالـــــــه.

 

حكم من فرط في الصـــلاة

كل من   فرط في أداء صلاته ,يعتبر في مسيرته الدنيوية و  الأخروية  قال الخالق سبحانه في هذا الشأن ,  ( فخلف من بعدهم  خلف أضاعوا الصلواة واتبعوا الشهوات فسوف يلقــــون غيا ) مريم 59  وقال سبحانه ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم  ساهون ) الماعون 5 أما من تركها تكاسلا فقد صرحت الأحاديث بكفره ,ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ,قال ( ما بين الرجــــل وبين الكفر ,ترك الصلاة ) ولم يفصل القرآن الكريم الصلاة تفصيلا ,غير أن   السنة فصلتها كما نراها الآن من ركوع  وسجود وقيام وتكبير قــــــــــال الحق سبحانه (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ,وله الحمد في السماوات والأرض  وعشيا وحين تظهرون ) الروم17 قال ابن عباس رضي الله عنه أراد ب   )حين تمسون ) صلاة المغرب وصلاة العشاء ,وأراد سبحانه ب ( حيــــــــــن تصبحون ) صلاة الصبح ,والمراد ب(عشيا ) صلاة العصر وأراد سبحانه ب ( حين تظهرون ) صلاة الظهر. وبالجملة  فدور الصلاة عظيم في تطهير النفس ’وتربيتها على الصدق والوفـــــــــاء ,وذلك باعتبار أنها أكبر مدرسة للتربية الداخلية ,فإذا هم بالإنسان ما يسمى بالحرية الخارجية ,أو الضلال  والزيغ ,فان الضمير النـــابع من تربية الصلاة ,يقف في طريق هذا الزيغ ويبطله  ,ومن هنا وقفت الصلاة كمرب صارم لعلاج اعوجاج المرء ورده إلى المسار المشرق ,بالفضائل والنور والفلاح .وغــاية ما هناك ,أ ن  من بواعث التفريط  في الصلاة خلط الأعمال الصالحة بالأعمال  السيئة ,وهذا الجانب من بواعث التفريط , يعتبر خطيرا في الصلاة ,وذلك كالذي يقوم, بأداء الواجبـــ ات والفرائض وفي نفس الوقت يرتكب المحرمات ,كالذي يصلي ويكذب ,أو يصلي ويأكل أموال الناس بالباطل ,والمفرط في الصلاة أيضا ,هو الذي يطبق جانبا منها ويهمل جانبـا آخر, فهذا وأمثاله يحبط الله أعمالهم في الدنيا والآخرة ,فمن صلى مثـلا صلاة نـاقصة ,رفعــت فــوق رأسه ,وهــي تلعنه ,وتقول له ضيعك الله كـما ضيعتني

.

فائدة الصلاة  من الجانبين العلمي و الإيماني

 

 

تقدم أن   الصلاة فرضت لتهذ ب   النفس وتزكيها حسيا ومعنويا ,وفرضت على الإنسان للمحافظة على صحته وقوته ,ليستطيع عبادة خالقه على الوجه المطلوب .لأن المومن القوي خير من المومن الضعيف, بمعنى أن يكون قويا في جسده ,قويا في أخلاقه ,وقويا في عطفه ورحمته .وقد جاء الأمر النبوي بالصلاة في وقت مبكر جدا ,وأمر الرسول هذا لا ينحصر في الصلاة  فقط ,ولكن هناك  شيئ آخر يضاف اليها وهو المحافظة على الصحة ,التي تعتبر أغلى ما   يتمتع به الإنسان في حياته ,بعد عبادة الله سبحانه ,وقد جاء البحث العلمي ينبئنا بمفاجأة سارة جدا وهي أن حركة الإنسان في عبادته ,تؤدي الى تنشيط حوالي  خمسة وسبعين في المائة من أعضاء الجسد ,ومضى العلم قائلا  في هذا الصدد ,ان  الصلاة تهدئ الجهاز العصبي من التوتر ,وتعمل على حفظ التوازن الجسدي .كما أن الصلاة تحسن الحالة النفسية للمصلي ,ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم ,يقول دائما ( أرحنا بها يا بلال )لأنه كان يجد فيها الراحة الكاملة ,باعتبار أنها تعالج الجانبين الروحي والجسمي ,وقال علماء الطب ( ان الصلاة تعتبر أرقى النظم الطبية للوقاية من القلق والتوتر والانفعالات ).والإيمان المنبعث من الصلاة   هو أكبر علاج   للقلق ,وفي هذا الصدد قال وليام جيمس (ان أكبر علاج للقلق هو   الإيمان) وقال العالم بريل )  ان المرء المتدين حقا لا يعاني قط مرضا نفسيا ) وقال أطباء الغرب (ان   حركات الصلاة من ركوع وسجود وقيام تؤدي الى تقوية عضلات الظهر وتليينها )  كما أن  السجود والجلوس والقيام في الصلاة فإنها تنشط   الدم , وتحافظ على تما سك العظام .وينفرد السجود في الصلاة بمنعه تراكم المواد الدهنية ,ومن جانب آخر ,إذا علمنا أن الوضوء المرتبط  بالصلاة ,يقلل من الغضب الناتج عن التوتر ,فان الجانب العلمي يفيدنا  في هذا الشأن ,بقوله :إن هناك عدة أماكن معينة مرتبطة بأعضاء الجسم الداخلية المقابلة لها .وتنحصر هذه الأماكن في الأطراف والوجه واليدين ,والأذنين والقدمين ,وتدليك هذه الأماكن يخفف من حدة التوتر ,الناشئ عن ضغط تعب الحياة ,اليومية ,كما أن تدليك هذه الأماكن ينشط الدورة الدموية ,ويساعد على التخلص من المواد  السامة في الجسم ,ثم إن هناك شيئا آخر مهم ,هوأن الوضوء يقي من الأمراض السرطانية التي يحاربها تكرار الوضوء خمس مرات في اليوم والليلة .ومن خلال ما تقدم ,يتضح لنا أن الصلاة تزود الإنسان بالإيمان ,الذي يقاوم به عواصف الحياة التي تقف في طريق المومن .ونقول بعد هذا إن المسلمين لم يكتب لهم النصر ,إلا بالصلاة وها هو كسرى يتعجب من انتصارهم  على  جيشه ولما سأل عـن علة هذا الانتصار ,كان ردهم عليــه ,انهم كانـوا لا يفارقون الصـلاة.

   

 

Hébergement Web offert par www.ADK-Media.com