خطب الجمعة

كيفية التعامل مع خطبة الجمعة

للخطابة تاريخ قديم ،فقد عرفها اليونان والرومان والهنود والفرس والعرب وعرفت القبائل العربية قديما بأنها كانت تقيم الأفراح إذا برز بينهم خطيب موهوب أو شاعر بارز ،حيث  كان هو المدافع عن شرفها وعن همومها ومشاكلها ،وكلما كان هذا الخطيب يتمتع بقدرة عالية في الإلقاء كان له تأثير أكثر في المجتمع وهي وسيلة من وسائل نشر العلم والمعرفة بين الناس ،ويحتاج هذا الزاد العلمي إلى قواعد علمية ونصوص قرآنية وأحاديث نبوية وغيرها مما تتطلبه هذه المهنة من سياحة علمية غزيرة وأفكار نيرة تواكب العصر، وهي مهنة شاقة تحتاج إلى فكر سليم ،واختيار بالغ ونقد بناء ليستطيع الخطيب أن يضع بين يديه علما محترما يكون  هاديا للمصلي وقد سئل عبد الملك بن مروان عن شيبه الذي غزا شعره ،فقال :ألا ترون أني أعرض عقلي على الناس كل جمعة ،وهوالعربي  الفصيح والخطيب الشجاع ولكي يكون الخطيب  إماما  عالما مقتدرا فعليه أن يكون متمكنا من علوم التفسير والحديث واللغة وعلم النفس والأخلاق والفقه والعقائد والأصول والسيرة والتاريخ والآداب والبلاغة وغيرها  ،مع حفظ الكثير من المنضوم والمنثور ،و النصوص القرآنية والسنة النبوية وغيرها  مما يتعلق بمهنة خطيب.

كيف تخاطب الآخرين وتِؤثر فيهم

إن الخطيب الناجح هو الذي يجذب المستمعين إليه بأسلوبه الواضح المفهوم الذي يقرب الناس إليه ويشدهم به، كأن يقول لهم إن السعيد هو الذي يرضى بقضاء الله ،وهو الذي لا يرى ما عند الآخرين ،وهو الي يتمنى للناس ما يتمناه لنفسه ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يكون المسلم مسلما حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) رواه البخاري ومسلموهنا تظهر بوادر الانفتاح على وجوه المستمعين لأن الإمام لا يخاطب الأجسام وإنما يخاطب العقول ،وبهذا الأسلوب المفهوم تتحرك المشاعر ويتشوق الناس إلى المزيد ،علما أن الخطيب بهذا الوضوح المفهوم يسمى حكيما لأن الحكيم هو الذي يفهمه الجمهور ،والخطيب الحكيم هو الذي يخرج المستمع من  الظلام إلى النور ،وأقصد بالظلام هنا الذي لا يعرف سبيل الخير ،لكن الإمام الموهوب يستطيع أن يضع المستمع على خط العمل الناجح ،لكن هذا لن يتحقق إلا إذا تأثر بعمله قبل كل شيء ،وهنا يمكن له أن يؤثر في غيره ،فهذا خطيب حضر في خطبته عالم كبير هو الحسن البصري ،ولما انتهى من عمله خاطبه الحسن البصري قائلا ياهذا إن بقليك لشرا أو بقلبي ،ويقصد الخطيب ،ويفهم ما تقدم  أن الإمام ـ والله أعلم ـ كان غير عالم بعلم الحكمة  أو منهجية التبليغ ،إذا فالخطابة والحديث مع الآخرين من أهم الأساليب التي يجب أن يتحلى بها الخطيب ،ولنا في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الإسوة والقدوة في ذلك فهو خير معلم وخير مرب عرفته البشرية جمعاء  ويمكن أن نستفيد كذلك من سيدنا شعيب عليه السلام الذي كان خطيبا وموضحا ما يقول بحجة وبيان ،فكان سلاحه هو الخطابة لذلك عرف يبن الأنبياء والناس بخطيب الأنبياء ومن هذا المنطلق حاول أن تبسط كلامك وأعد التعبير مرتين  أو أكثر حتى يفهمه المستمعون ،ومن الأفضل لك أن تشخص تعبيرك بالإشارات أو بأية وسيلة أخرى رأيتها تساعدك على تبليغ كلامك للمستمعين أخي الخطيب لا تعتقد أن مقياس علمك هو غزارة العلم إن مقياس ثقافتك هو التبليغ والتوضيح للمستمعين، كن متيقنا أخي الخطيب أنك إذا لم تستطع أن تبلغ للناس فأنت في الطريق  ،ولكن إذا بلغت فأنت ناجح ،وقد سبق القول بأن على الخطيب أن  يكون ملما بجميع الاتجاهات الثقافية  لتساعده على تكوين ملكة التبليغ ،ولكي يستوعب  الناس ما يطرح عليهم من أفكار من طرف الواعظ ،فعليه أن يبين أفكاره بالقدر الذي يزيل اللبس عنها ،ثم عليه ،أن يسير في الخطبة بالتدرج والمنطق في سرد معلوماته على المستمعين، ومن جانب آخر إذا كان القرآن شفاء للقلوب فعلى الخطيب الإكثار من  الآيات القرآنية ،ففيها الوعظ والدواء ،والأحاديث النبوية الصحيحة وتجنب الأحاديث الموضوعة  يقول النبي صلى الله عليه وسلم ’من كذب علي متعمدا فليتبوأمقعده من النار، متفق عليه  ،ثم على الخطيب أن يستعين في عمله بالقصص الواردة في القرآن والسنة ،وإذا ربطها بالواقع يكون العمل أحسن ،مثل قصة إبراهيم مع أبيه ومثل قصة أصحاب الكهف وما فيها من العبر والعظات ،ومثل قصة الذي قتل مائة نفس في باب التوبة وغيرها من القصص وأكتفي بهذا القدر في انتظار دروس أخرى متميزة إن شاء الله .  

Hébergement Web offert par www.ADK-Media.com